صفحات
من فتنة أبي الحسن…,
أو
من أصول الفتن
كتبها أبو يوسف مصطفى مبرم
ناصحا ومذكرا بها إخوانه السلفيين في كل مكان
بسم الله الرحمن الرحيم
صفحات من فتنة أبي الحسن… أو من أصول الفتن
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق, ليظهره على الدين كُلِّه, وكفى بالله شهيداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إقراراً به وتوحيداً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيداً . أما بعد :
قال الإمام أبو داود – [4263] – : حدثنا إبراهيم بن الحسن المصيصي قال: حدثنا حجاج – يعني ابن محمد – قال: حدثنا الليث بن سعد, قال: حدثني معاوية بن صالح, أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه, عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: وايم الله لقد سمعت رسول الله ق يقول: (( إنَّ السعيد لمن جُنِّبَ الفتن, إنَّ السعيد لمن جُنِّبَ الفتن, إنَّ السعيد لمن جُنِّبَ الفتن, ولمن ابتلي فصبر فواها )) .
ورواه البزار – [المسند 6/46] – قال: حدثنا محمد بن مسكين ، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح, به…
فتأمل كيف جعل النبي r سعادة المرء المسلم في تجنب الفتن, وأكد ذلك بثلاثة مؤكدات, هي من أقوى المؤكدات, أولها في قوله: (( إنَّ السعيد )) فإنَّ مؤكدة, وثانيها: اللام الداخلة على الاسم المبهم (( لمن )) , وثالثها التكرار . ثم تأمل كيف بين الني r بالمفعول الذي لم يسمَ فاعله أنه جُنِّبَ الفتن, فقال: (( جُنِّبَ الفتنَ )) من الذي جنبه ؟ إنه الله , وذاك هو التوفيق منه سبحانه, فلا بالعلم مع عدم التوفيق, ولا بالذكاء والوجاهة, والرئاسة, بل ذاك محض فضل الله . قال ابن القيم – رحمه الله – في النونية:
(( لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم فالقلب بين أصـابع الــرحمـن ))
ثم إن من مقاصد الشريعة التي جاءت ظاهرة على سائر الشرائع التسوية بين المتماثلات والتفرقة بين المختلفات.
قال شيخ الإسلام رحمه الله – [المجموع: ج3 ص9] – : ” ولو أمعنوا النظر لسووا بين المتماثلات وفرقوا بين المختلفات, كما تقتضيه المعقولات, ولكانوا من الذين أوتوا العلم الذين يرون أنما أنزل إلى الرسول هو الحق من ربهم ويهدي إلى صراط العزيز الحميد “.أهـ وقال – [المجموع: ج9 ص89] – : ” وطلب الفرق بين المتماثلات ممتنع . وبين المتقاربات عسر . فالمطلوب إما متعذر أو متعسر ” .أهـ
وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله – [أعلام الموقعين: ج1 ص217] – : ” فالصحابة رضي الله عنهم مثلوا الوقائع بنظائرها ، وشبهوها بأمثالها ، وردوا بعضها إلى بعض في أحكامها ” .أهـ
والغرض من هذه الصفحات – التي ربما طواها بعض الناس – هو الاعتبار والتذكير.
هذا وإن من توفيق الله للعبد أن يعتبر الأمور بنظائرها, والأحداث بأضرابها, والسعيد من اعتبر بغيره.
وهذه الذكرى التي أكتبها لي ولغيري من الدروس التي تستفاد من الوقائع, والأحداث الصارفة عن الحق وأهله, هي عبارة عن نقاط تذكر بفتنة أبي الحسن, ليعتبر بها من أراد النجاة من الفتن , فأقول:
-
أولهـا: ( الكذب ) وهو شعار ودثار كل فتنة وبدعة وهوى, فـما من صاحب هوى إلا وطريقه إلى تحصيله وتأصيله الكذب, وهذا ظاهر في جميع الفتن كائنا من كان حاملها, ولقد بلينا بأقوام يكذبون, بل ويتحرون الكذب ولا يستحيون منه, بل يبحثون على ما يصدق كذبهم ! و أنى للكذب والصدق أن يجتمعا, ولذا فإن من أقبح الكذب إنكار الكذب, ولذا قالوا إذا كذبت فكن ذاكرا. ويتبع ذلك التدليس والخداع, وهذه الثلاثة هي أركان الحزبية, وسمعت شيخنا مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله – يقول: ” أركان الحزبية ثلاثة: الكذب, والتدليس, والخداع ” , وسمعته يقول: ” من تحزب كذب ” وهذا من مشهور بديع قوله ولا يتخلف عنه أحد , واعتبر بمن حولك, كم ستحصي من الكذب على من أفلس من الحجاج والبراهين وكيف يلجأ إلى الكذب.
-
ثانيها : – وهي راجعة إلى الأولى ومتفرعة عنها – ( إيهام الـعـــوام والأتباع ) أن العلماء والأشياخ معه يؤيدونه على قوله, ويناصرونه على فعله, و ذا من أقبح وأقح التطبيق للكذب, حتى يلبس على الناس ويظهرون معه, فإذا انتموا إليه وانتسبوا إليه صعب عليهم تركه وإن ظهرلهم كذبه إلا من رحم الله منهم . ومن الصوارف عن الحق أن يُعرف الإنسان بالباطل ثم لا يستطيع تركه. وإذا انكشف غطاء كذبه في تلك الدعوى, شوه صورة هؤلاء العلماء, وطعن فيهم وسبهم وشنع عليهم, وقال فيهم الأقوال التي تدل على فجوره في الخصومة.
-
الثالثة: – وهي تابعة للثانية وراجعة إليها – ( التكثر بطلبة العلم , وتهييجهم على العلماء ) وتشجيعهم ونفخهم ليقولوا كلمة الحق بزعمه بل جعلهم في مصاف أهل العلم بل فوقهم لا لشيء إلا لينتصر بهم على باطله, ويتبع ذلك تعاليهم وتعاظمهم وسوء أدبهم, ولم يدر أن ذلك راجع عليه وحائر إليه وكما تدين تُدان.
-
الرابعة: ( عقد لواء الحزبية عليهم وبهم ) وتحميلهــم رايتـه , بــأن اجتمعوا على أنه مظلوم, وأن العلماء ظلموه وأنهم منتصفون له, وجمعوا على ذلك التوقيعات وسموا فعلهم براءة الذمة, ولا فرق بين براءة ذمة مكتوبة, وبراءة ذمة مترحّلة مرتجلة, تجوب البلاد وتضرب أصقاع الأرض, لا لشيء إلا للنظر في الموافق والمخالف وقد جمع أبو الحسن وأتباعه بين الأمرين ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) [الحشر: الآية 2].
-
الخامسة: ( الإعتقاد ثم الاستدلال ) فإنه لمــا بارز أهل السنة وطعن فيهم بالكذب واتهمهم بالبدعة والهوى – وكانت يده خالية عن الحجاج والبراهين – وأُنكر عليه قوله وفعله, ولم يتابعه عليه العقلاء, ذهب هنا وهناك يلتقط شبها سماها براهين, هو أولى بها وأحرى وأحق بها وأهلها, وقاعدة الإعتقاد ثم الاستدلال, من قواعد أهل البدع وأصولهم.
-
السادسة: ( إحتجاجه بأخطاء غيره على خطأه ) فـإذا ضـاقت بـــه الحيل في الوصول إلى حجة على ما اعتقده أو قاله أو عمل به, ذهب يلفلف أقوال الآخرين, ويقول قد قال به فلان وفلان وهذا قول فلان, دون النظر إلى كونه خطأ أم صواب, بل إنه يجعل الخلاف حجة يحتج بها على الخطأ, وهذا مسلك خطير, و قد كتبنا في الإقناع فصلا حكينا فيه أقوالا في ذلك, وآخذ لك نقلا واحدا جمع بين الأمرين ؛ بين عدم الاحتجاج بالخطأ وعدم حكايته.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان الدليل على بطلان التحليل- [ ص215 ]- :
” فرب قاعدة لو علم صاحبها ما تفضي إليه لم يقلها, فمن رعاية حق الأئمة أن لا يُـحكى هذا عنهم, ولو روي هذا عنهم لفرُطَ قُبحُه, ولهذا كان الإمام أحمد يكره أن يُـحكى عن الكوفيين والمدنيين والمكيين المسائل المستقبحة – ثم ذكر بعضها وقال ـ إذا حكيت لمن يخاف أن يقلدهم فيها أو يتنقصهم بسببها “.أهـ تأمل في هذا ! ولقد كان الاعتراف بالخطأ , أوالتوبة منه بعد الوقوع فيه وعدم الدليل عليه أن يُرجع عنه ويُتاب منه, بدلا من الاحتجاج عليه بقول فلان وفلان, ويغفل أو يستغفل عن أن قول أحد من الخلق ليس بحجة إِلا رسول الله r, أو ما كان من إجماع محتج به .
-
السابعة: وحيث العجز عن الحجاج, يأتي الذهاب إلى تطبيق قاعدة: (حمل المجمل على المفصل ) , فيقول هذا كلامي المجمل احملوه على كلامي المفصل, وهذا تكليف بما لا يطاق لو سُلّم به – أي الحمل – ؛ بمعنى أنا إذا رأينا خطأ لأحد نذهب وننظر هل له كلام آخر يفصله, أو يأتينا بها أو يأتينا هو بما يزعم أنه يفصله, ويقول لي كلام آخر وأنا قد قلت بهذا في موضع آخر, على أن هذا كذب في الدعوى. والإجمالات من مسالك أهل البدع , قال ابن القيم:
(( وعـليك بالتفصـيل والتبيـين فــــ .. الإجمـال والإطلاق دون بيان
قــد أفسدا هـذا الوجـود وغــير الأ .. ذهـــان والأديان كل زمــأن ))
وقد لا يصرح بأن هذا حمل للمجمل على المفصل, بل يطبق القاعدة دون تصريح بها .
-
الثامنة: ( الخــروج والحــيدة عــن مـواضع النــــزاع ) , فيشتت المسألة, ويخرج عنها إلى غيرها, تدليسا وتلبيسا وتعمية وزد تناقضا, فيضيع أصل القضية, بل ربما خان وجعل قوله قول خصمه والعكس, وكل هذا من أقبح التلون والكذب ثم يزعم في ذلك أنه رد وهكذا.. , لا هم له إلا الرد تحت أي أسلوب, لا لشيء إلا ليقول العوام والهوام والدهماء من الناس قد رد !!! ؟؟؟.. , وهذا لا طائل تحته إلا تسويد الصفحات وتكثير الأشرطة.
-
التاسعة: ويتبع ذلك ( الخـــروج عـن الــرد إلى السباب ) والشـتام والتقذيع والتجديع والأخلاقيات الدنيئة السيئة, وإطلاق الألفاظ العظيمة الكبيرة التي تنبوا عنها الأسماع ثم يزعم أن ردوده علمية وهيهات… ولو كان المردود عليه من أهل العلم السابقين الراسخين, فالله المستعان .
-
العاشرة: وبعد هذا كله ( يتظاهر بصورة المظلوم ) المتحمل السمح الصبور العفو, الذي يصفح عن المخالفين وعن من ظلمه وتجنى عليه, وهو في كل ذلك كاذب أفاك, هو ومن سار على مسلكه وحذى حذوه, فيا لله العجب من البهت وأن يكون الظالم الظلوم هو المظلوم ! سب وشتم وغيبة وانتهاك عرض وتبديع وتفسيق للبراءا, ثم البكاء على ظلم مزعوم والتباكي على فتنة تدوم .
-
الحادية عشرة: ( ألكـبر والتعالي ) وذاك بـطر الحــق وهو رده وغمط أو غمص الناس وهو احتقارهم والتعالي عليهم وطلب الرئاسة و العلو في الأرض, وذاك شأن لبعض المتدينين الذين يريدون العلو في الأرض ولا يريدون الفساد. فكم من الحق يرد ومن الخلق يحتقر لا لشيء إلا الرغبة عن الظهور في صورة المنهزم وأن الحق في قول المخالف له. فالله المستعان.
-
الثانية عشرة: ( عــدم المبالاة بأهـــل الـعــلـم ) ونصحهم وإرشادهم وتوجيههم بل يقابل ذلك بأنواع من الأساليب فتارة بالتكذيب وأخرى بزعم بتر الكلام وأخرى بالسب والشتم وبعد هذا يقول لا أبالي وإن كنت وحدي على الحق وما من حامل فتنة خالف أهل العلم والسنة إلا وذا مسلكه. فاعتبر بهذه المسالك.
-
الثالثة عشرة: ( التلـون واختلاف الوجـــه ) فتـارة يـظهر في صورة الحليم الحكيم المتأني في الأمور الذي يزنها بالعلم والعقل وتلك دعوى, وإذا عري عن الحجج والبراهين عمد إلى إظهار الخضوع والتواضع وخصوصا عند الأكابر أو حيث يرى أن الصرامة لا تجدي, وتارة يظهر على هيئته الحقيقية وأسلوبه الأحمق فيبدي كل ما في جعبته.
وإذا ما خلى الجبان بـأرض طلب فيها المبارزة والنزال.
-
الرابعة عشرة : ( كثرة الـردود وتشقيق الكلام ) والتطـــويل بدون طائل , فلقد جاوزت الأشرطة المائة, والمذكرات مالا يحصى, ولقد كان بعض هذا يكفي في ذكر مخالفات وأخطاء خصمه بزعمه ومحاججته بما يقطع احتجاجه ولكن أنزل هو وأتباعه وطلابه والمتعصبون له ما لا يحصى من ذلك وهذا خذلان من الله حتى لا يسع الناس سماعها وقراءتها ولتدل على أنه ليس من أهل العلم الذين قل فيه كلامهم, ولله الأمر من قبل ومن بعد.
-
الخامسة عشرة: وهي خاتمة القول ( إرباكــه الأتبـاع ) وإيقـاعهم في أنواع من الاضطراب والتناقض حتى في الرؤوس فقد أوقع أقواما معه في فتنته فوقعوا, وأضافوا إليه أنواعا من الغلو والإطراء حتى أوصله بعضهم إلى إمام, ثم كان ماذا ؟ تظاهروا بأنهم السابقون إلى معرفة الفتنة وكشفها ! ظنا منهم أنهم من الراسخين في العلم, الذين يعرفون الفتنة وهي مقبلة !!! ؟؟؟ .
واتـــقـــــوا الله , إن الله كــــان عـليكـــم رقيبـــا . و روى البخاري ومسلم – في صحيحيهما – أن عمر t كــــان يقــول: ” نـعـــوذ بـالله من الفتن “. وصلـى الله علـى نبينا محمــد , وعلى آله وصحبه وسلم , تسليما كثيرا إلـى يـوم الدين
كتبه
أبو يوسف مصطفى بن محمد مبرم
27/ربيع الأول/1429هـ
[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]